10-06-2016, 04:56 PM
|
#1 |
صديق المنتدى | الفتح الإسلامي لجزيرة صِقِلِّيَّة
جزيرة صِقِلِّيَّة:
جزيرة صِقِلِّيَّة هي أكبر جزر البحر الأبيض المتوسط، وأكبر أقاليم إيطاليا من حيث المساحة، ولا يفصلها عن شبه الجزيرة الإيطالية إلا مَضيق بحري رفيع، وتقع بين شبه جزيرة كالابريا - قلورية في المصادر العربية الإسلامية - في أقصى جنوب إيطاليا، وشبه جزيرة الرأس الطَّيِّب في تونس، وتقسم الجزيرة البحر المتوسط لقسمين: شرقي، وغربي، وهي إحدى حلقات الوصل الكبرى بين القارتين: الإفريقية، والأوروبية، بل بين دول الحَوْضَيْن: الشرقي، والغربي للبحر المتوسط، وقد أعطاها الموقع الجغرافي المذكور أهمية سياسية، واقتصادية، وعلمية كبرى (1) ، وهي تتمتع حاليًا بنوع من الحُكْم الذَّاتِي في إطار تبعيتها السياسية لإيطاليا.
وقد غزاها المسلمون عِدَّة غزوات في العصر الأموي (2) ، ثم العَبَّاسِي إلى أن فتحها الأَغالِبة في ولاية زيادة الله بن إبراهيم بن الأَغْلَب (3) الوالي على القَيْروان من قِبَل المأمون العباسي، في السنة الثانية عشرة بعد المائتين من الهجرة، بقيادة الفقيه المجاهد أَسَد بن الفُرات رحمه الله تعالى (4).
وقد ظَلَّت بها عِدَّة مدن تحت سيطرة النَّصارى، لاسيما القِسْم الشَّرْقي الذي كانت تأتيه الإمدادات من أوروبا، وقَنَع بعضُ الولاة منهم بالجِزْيَة، واستمر ذلك إلى أن أحكم إبراهيم بن أحمد تاسع أمراء الأغالِبة (5) سيطرته عليها، ثم عادت السيطرة للنصارى في شرق الجزيرة، إلى أن سقطت دولة الأغالِبة في شمال إفريقية على يد العُبَيْديِّين الإسماعيلية الذين يُسَمَّون بالفاطميين (6) سنة ست وتسعين ومائتين.
لقد دخلت الجزيرة بسقوط الدولة الأَغْلَبِيَّة الأُم في شمال إفريقية في عصر من الفوضى والاضطراب دام ما يزيد على رُبْع القَرْن، وانتهى باستيلاء العُبَيْدِيِّين على الجزيرة بعد أن رفض أهلها لمُدَّة الدخول في طاعتهم، فقام عبيد الله المهدي بتولية والٍ جائر ضَجَّ أهلها منه، فأَحَلَّ مَحَلَّه مَثيلًا له، مما ألجأ بعضَ ضِعاف الإيمان من أهل الجزيرة إلى الاستنجاد بالروم، بل الالتحاق بالنصارى، والدخول في جُمْلَتهم؛ هَربًا من تَعَسُّف ولاة العُبَيْدِيِّين (7) .
وعلى إثر تلك الأحداث قام العُبَيْدِيِّون بتولية الحسن بن علي بن أبي الحسين الكَلْبي، وخَلَفه أبناؤه من بعده، وكانوا من أَخْلَص أعوان العُبَيْدِيِّين، وظَلَّتْ الجزيرة بأيديهم مُدَّة طويلة؛ حيث تعاقب على حكمها منهم عشرة ولاة في مُدَّة خمس وتسعين سنة (8) .
وقد وصف الدكتور إحسان عباس رحمه الله فترة حُكْم الكَلْبِيِّين لصِقِلِّيَّة بقوله (9) : شهدت في أثنائها تَقَدُّمًا في الحياة العمرانية، وفي العلوم، والآداب، كما شَهِدت جِهادهم المُسْتَمر في جنوب إيطاليا، وفي مقاومة أطماع الروم في الجزيرة، وأَخْلَدَت صِقِلِّيَّة إلى الهدوء، وجَنَتْ من ذلك خَيْرَ الثِّمار، وكان من أسباب هذا الهدوء: انْشِغال الجُنْد في أكثر الأوقات بالحروب في جَنوبي إيطاليا، وإخلاص الكلبيين في الدفاع عن صِقِلِّيَّة، واعتبار أنفسهم مُسْتَقِلِّين اسْتِقْلالًا داخليًا في شؤون الجزيرة. (10) . |
| |