الأدب والشعر العربى Arab literature and poetry |
![]() ![]() |
| LinkBack | أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() | #1 |
صديق المنتدى ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() | ![]() ...... ومن بين الأعمال التي كان لها كذلك حضور وازن في رصد وتسليط الضوء على جوانب مهمة من تاريخ المغرب الحديث: أطروحة جاك مونيي Meunié ,(J) تحت عنوان "المغرب الصحراوي من الأصول إلى القرن XVII" « le Maroc Saharien des origines au XVIIs » التي حاولت من خلالها إعادة الاعتبار للجنوب المغربي، والقيام بحفريات تاريخية اعتمادا على بعض المصادر والشهادات اليهودية والإسلامية والروايات الشفوية (29)،وهي في هيكلها الأساسي تملأ ثغرة كبيرة في مجال الكتابة التاريخية المغربية(30)،بما توفره من معطيات تهم التجارة العابرة للصحراء بعد حملة المنصور على بلاد السودان،من طرق،ومراكز،ومواد تجارية،وكيفية تنظيم القوافل التجارية نحو تلك البلاد،والعناصر التي مارست النشاط التجاري بالمغرب الصحراوي،واهتمام السعديين بالمعدن النفيس... (31). ومن بين القضايا التي تضاربت واختلفت حولها آراء أقطاب هذا الخطاب التاريخي، قضية الرقيق ولاسيما منها تقدير عدد العبيد المجلوبين من بلاد السودان، وهذا نابع من تعدد الرؤى والتصورات التي ينطلق منها هؤلاء، فهناك مجموعة منهم حاولت -انطلاقا من خلفيات لاتخفى أبعادها - تضخيم أعداد الرقيق الذين تم نقلهم عبر الصحراء ،لتحميل الإسلام والمغاربة مسؤولية تنشيط هذه التجارة، وإخفاء حقيقة أكدتها أوصاف الرحالة والرواد الأوربيين تمثلت في الأعداد الهائلة من العبيد التي أجبرت من طرف المغامرين الأوربيين على عبور المحيط الأطلسي ،أو تم نقلها إلى حوض البحر الأبيض المتوسط الغربي لاستغلالها في مجالات معينة ،كالخدمات المنزلية،والأنشطة الزراعية...(32)، ومن بين هؤلاء رايمون موني MAUNY ,(R) ومشال أبطبولABITBOL, (M) ،مبررين ذلك بازدهار تجارة الرقيق خلال القرن السابع عشر ووجود أعداد مهمة من العبيد في صفوف الآلة العسكرية الإسماعيلية(33)،في حين هناك فريق آخر من بينه جاك مونيي Meunié,(J) وكامبس Kamps ...، حاول التخفيف من هذه التهمة، واعتبر أن ظاهرة الاسترقاق كانت عادية بالمغرب الصحراوي(34)، معللا طرحه بتراجع عدد السود المجلوبين خلال القرنين 16م و17م، وبأنهم أصبحوا يقدمون كهدايا للسلطان ،مما يدل على أنهم أصبحوا يشكلون مادة رفيعة وغير ضرورية للاقتصاد والحرب ،بل إن دورهم في هذا المجال ظل محدودا ،ثم إن العبيد البيض أصبحوا -بعد معركة وادي المخازن- يجدون إقبالا كبيرا بفضل معرفتهم التقنية والعلمية في مجالات صناعة الأسلحة،والسكر،والبناء،وقيادة القوافل التجارية،بالإضافة إلى كونهم شكلوا يدا عاملة ماهرة لا مثيل لها ،استغلت في البستنة والخدمات المنزلية بالمدن(35). وإلى جانب هذه النقطة -أي عدد الرقيق- وقع اختلاف بين المجموعتين كذلك حول مصدر هذه العناصر ،وأصلها ووضعها الاجتماعي داخل المجتمع الواحي، مما جعلها تظل موضوع جدل إلى يومنا هذا ،إذ في الوقت الذي نجد فيه أن الفريق الأول قد أكد أن المولى إسماعيل اعتمد في تشكيله لآلته العسكرية على العبيد الذين تم جلبهم من بلاد السودان في إطار تجارة الرقيق العابرة للصحراء ،فإن الفريق الثاني أثبت أن الأمر لم يكن يتعلق بالزنوج من أصل سوداني كما اعتقد غيرهم،وإنما يهم الأمر هنا العنصر المحلي الذي عرف" بحرا طين درعه" (36) ،وهي كلمة لايزال يكتنفها نوع من الغموض وتطرح إشكالا(37)،لاسيما وأن بعض الدراسات توصلت إلى أن الحراطين تم جلبهم من التخوم الصحراوية (38)،في حين أشارت أخرى إلى أنهم جلبوا بالضبط من موريتانيا (39)،أما جاك مونيي فأوردت أن أصلهم من منطقة درعه (40)،وإذا كانت هذه النقطة -أي مصدر جلب الحراطين- في حد ذاتها لا تطرح أي إشكال ما دامت الدراسات والأبحاث قد أجمعت على أن الحراطين تم جلبهم بصفة عامة من المنطقة الصحراوية ،فإن المشكل الأساسي يتمثل في أصل هذه العناصر بالضبط ،أو بعبارة أخرى هل هذه العناصر تنحدر فعلا من المجال الصحراوي ؟ أم هي عناصر دخيلة توافدت عليه من مناطق محددة في فترات تاريخية معينة ولأسباب ما؟. كجواب على هذه الإشكالية،نورد أطروحتين مختلفتين،أطروحة جاك مونيي التي تبناها بعض الباحثين المغاربة –كالعربي مزين وعبد العزيز العلوي في دراستيهما حول كل من تافيلالت والمغرب والتجارة العابرة للصحراء خلال العصر الوسيط- ،والتي ترى أن الحراطين هم عبارة عن جنس محلي قديم وجد بمنطقة درعه،وهو العنصر الذي لم يتمكن الحسن الوزان من أن يميز بينه وبين الرقيق السود المجلوبين من بلاد السودان،وقد عللت هذه الباحثة تصورها بكون منطقة درعه لم تعرف تجارة الرقيق(41) ،أما الأطروحة الثانية،فهي التي أوردها رايمون موني ،ومفادها أن معظم اليد العاملة التي وجدت بالواحات الصحراوية والتي تشكلت من الحراطين – وكذا الرقيق السود –تم جلبها من أسواق النخاسة بالسودان (42)،ولابد من الإشارة هنا إلى أننا لا نعرف بالضبط المعايير التي اعتمد عليها هذا الباحث في طرحه هذا،مما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأن أطروحة مونيي هي الأقرب إلى الحقيقة . و إلى جانب هذه النماذج من الأعمال التي قدمناها، هناك أعمال أخرى لا تقل أهمية عنها بالإضافة إلى دراسات نشرت في بعض الدوريات والمجلات المتخصصة وكذا الموسوعات العلمية،عالجت مواضيع مختلفة من تاريخ المغرب وعلاقاته مع إفريقيا جنوب الصحراء ،حيث تطرقت للعلاقات التي ظلت تربط بين الجانبين سواء على المستوى السياسي أو الثقافي أو التجاري،ونذكر منها أعمال De Lachapelle ,(F) من خلال "Esquisse d’une histoire du Sahara occidental " تطرق فيها لدور الجمل في قلب الأوضاع وتغيير ظروف العيش الصحراوية بحكم الإمكانات المتعددة التي خولها للإنسان ،ولبعض المراكز التجارية مثل تندوف،وأروان،وشنكيط،،و ودان،و تشيت،...،وأيضا لسياسة سلاطين المغرب الصحراوية لاسيما منهم السعديون و العلو يون(43). ورايمــــون مونــــــــــي « l’Expédition marocaine d’Ouadane (Mauritanie) vers 1543-44 » : Mauny,(R) تطرق فيها للأطماع السعدية ببلاد السودان ،وربطها بانحدارهم من منطقة درعه التي استمدت جزءا مهما من ثرواتها من التجارة العابرة للصحراء و لاسيما منها تجارة الذهب والرقيق ،هذا بالإضافة إلى إدراكهم للأهمية التي اكتستها قضية امتلاك مناجم الذهب الإفريقي ،مما يفسر حرصهم الشديد منذ وصولهم إلى الحكم على إخضاع بلاد السودان لنفوذهم ،وقد أوضح المؤلف مدى أهمية الحملة في كونها شكلت بداية انطلاق السعديين في سياستهم التوسعية نحو الجنوب(44). II- خطاب تاريخي إفريقي- جنوب صحراوي: خلال الستينيات من القرن العشرين، وعلى إثر موجة الاستقلال التي عرفتها دول إفريقيا جنوب الصحراء،ظهرت كتابات إفريقية وطنية ،أنجزت في العديد من معاهد الدراسات الإفريقية في أوربا وإفريقيا من طرف باحثين أكاديميين تأثروا بالمدارس الفرانكفونية و الأنجلوسكسونية ،وبحكم حداثة هذا الخطاب ،فهو لايزال يعاني من" مشكل الهوية والبحث عن الذات " رغم أن بعض أقطابه-كجوزيف كي زربو- استطاعوا أن يبرهنوا على نضج كبير في تعاملهم مع التاريخ الإفريقي (45)،لكن رغم أهمية هذا الخطاب وسعيه إلى بلورة الوعي الإفريقي من الداخل،وانتزاع الاعتراف من جديد بالتاريخ الأصلي للقارة الإفريقية(46)،فإنه بحكم تأثره في ممارسة الكتابة التاريخية بالطابع الوطني (47)،لايزال يطرح بعض الإشكاليات منها أن بعض الأحكام والموافق التي اتسمت بنوع من التحامل ما فتئت تجد صدى واسعا في صفوف مؤرخيه من أمثال زكري درماني إسيفو Zakari Dramani Issifou ،وسيسوكو سيكيني مودي Sissoko Sékéné Mody ،وكي زربو Ki-Zerbo ،و إبراهيما بابا كاكي Ibrahima Baba Kaké ، وغيرهم ،وعلى سبيل المثال ،فإن معظهم هؤلاء يحملون تجارة الرقيق مسؤولية الإ نحطاط الذي أصاب إفريقيا السوداء وتوقف الإنتاج بها بفعل الاستنزاف الكبير الذي تعرضت له ثرواتها وفقدان عدد هائل من الأيدي العاملة بسبب النزيف الديمغرافي الهام الذي عرفته طوال عشرة قرون وما ترتب عن ذلك من عواقب ونتائج غير مباشرة على المستويين الاقتصادي والسياسي (48). أما الدراسات الإفريقية التي استأثرت باهتمامنا وكان لها حضور فعال ومتميز من خلال ملامستها لجوانب تهم تاريخ المغرب في علاقته مع إفريقيا جنوب الصحراء خلال العصر الحديث فهي: دراسة زكري درماني إسيفوZakari Dramani Issifou تحت عنوان:إفريقيا السوداء في العلاقات الدولية خلال القرن XVIتحليل للأزمة بين المغرب والصونغاي L’Afrique Noire dans les relations internationales au XVIs ,Analyse de la crise entre le Maroc et le Sonrhai. وتكمن أهمية هذه الدراسة في كونها تشكل قراءة أخرى لتاريخ العلاقة المغربية –الصنغية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر ،إذ من خلال مواقف درماني نشعر بنبرة من التحامل على المغرب الذي وصفه بالضعف وعدم الإستقرار،وبأنه دولة عسكرية وبيروقراطية،حاربت الدول المجاورة بحجة الجهاد المزعوم(49)،وقد ركزت هذه الدراسة على دور العوامل الاقتصادية ،والسياسية،والشخصية،في التفاعلات التي تمت بين المغرب ومملكة الصونغاي (50)،أي أن صاحبها تبنى مقاربة مدرسة الحوليات ضمن إشكالية تنطلق من منطق إفريقيا السوداء ،ولم تتمكن من التخلص تماما من تأثير التوجه أو النزعة القومية(51). أما الجوانب التي تطرقت إليها هذه الدراسة ولها علاقة بالمغرب خلال العصر الحديث فهي: بيعة إدريس علومه للمنصور، حيث حدد مفهوم البيعة، وبين أهميتها نظرا لطبيعتها المخالفة للمألوف،إذ تبدو فريدة من نوعها في إفريقيا جنوب الصحراء خلال القرنين 15و16م،ثم تساءل عن سبب حدوث هذه البيعة ولماذا اختيار المنصور بالضبط سنة 1582؟ هل كان إدريس علومه يبحث عن سند شرعي أو ديني لدى ملك المغرب ؟ هذا أمر-على حد قول درماني- كان بإمكانه الحصول عليه في مكة أثناء حجه (52). وسياسة المنصورالصحراوية أو السودانية ،التي شكلت فيها حملته على إمبراطورية الصونغاي مرحلة حاسمة ،ربطها زكري درماني بهاجس الخلافة (53) . الأزمة المالية التي عرفتها الدولة السعدية، وبعض الحلول التي تبنتها للخروج من هذه الوضعية الصعبة والتي تمثل أولها في الاهتمام بزراعة قصب السكر اعتمادا على يد عاملة زنجية مجلوبة من بلاد السودان،أما الحل الثاني فتجلى في إثقال كاهل سكان المناطق الجبلية بالضرائب،والحل الثالث هو حلم الوصول إلى مناجم الذهب ومناطق العبيد التي كانت وراء ثراء ملوك بلاد السودان،وفي هذا السياق يدخل اهتمام المنصور بالقضايا الإفريقية وقيامه بالحملة على بلاد السودان (54)،وما اختيار السعديين لمراكش كعاصمة لهم بدل فاس إلا مؤشر ودليل على سياسة السعديين الصحراوية (55)،وقد ربط درماني هذه السياسة باقتناع السعديين بأن الحلول المناسبة لمشاكلهم المستعصية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تطبيق تلك السياسة ،والانفتاح على ما وراء الصحراء(56). وتعرفنا كذلك من خلال هذه الدراسة ،على دور مسألة الممالح في تأزم العلاقات المغربية الصنغية (57)،هذا بالإضافة إلى البحث الذهب الذي شكل رهانا أساسيا بالنسبة للبرتغال،وردود فعل السعديين ضد كل من البرتغال والصونغاي من أجل مراقبة طرق التجارة الصحراوية والتحكم فيها (58). وزودنا زكري درماني كذلك ،بمعلومات قيمة حول ظاهرة الاسترقاق،وتطور تجارة العبيد خلال القرن السادس عشر(59)،لاسيما وأن أغلب المصادر المغربية ومصادر بلاد ما وراء الصحراء تجنبت تناول هذا الموضوع والخوض فيه (60). كما سلطت هذه الدراسة الضوء على العلاقات التي جمعت بين الأتراك ومملكة كانم-برنو من خلال المراسلات التي تبودلت بين مراد الثالث وماي إدريس ،حيث طلب هذا الأخير من الأول أن يتخلى له عن قلعة كوران الواقعة شمال إمبراطوريته ،وأن يقدم له مساعدة عسكرية،وكان جواب مراد الثالث لبقا وصريحا،حيث ذكر ماي إدريس بتبعيته و ولائه له باعتباره خليفة.ومما لاشك فيه ،أن ملك برنو كان على علم بالعلاقة المتوترة والسيئة التي جمعت بين القسطنطينية ومراكش،لاسيما عندما نجح أحمد المنصور سنة 1581-1582 في إفشال محاولة مراد الثالث الرامية إلى غزو المغرب بإيعاز من أمير البحر علي علوج،لذلك حل المنصور محل مراد الثالث في لعبة برنو الدبلوماسية(61). وبخصوص بيعة إدريس علومه للمنصور990ه/1582-1583م،فقد وضعها زكري درماني في إطار استعدادات المنصور للحملة على بلاد السودان،واعتبرها هذا العاهل فرصة لتحقيق ثلاثة أهداف هي: -التحالف مع برنو،واستكمال سيطرته على توات وكورارة،و الإنتقام من الأتراك العثمانيين الذين سبق لهم أن قاموا بقمع ثورة بفزان سنة 1582،تعرضت خلالها حامياتهم العسكرية للتقتيل(62). بعد ذلك،حرص السعديون على عزل إمبراطورية الصونغاي سياسيا ،لاسيما وأن الأساكي لم يعترفوا سوى بالخلافة العثمانية التي أبرموا معها معاهدة تحالف(63)،لم تحل دون قيام المغاربة بحملتهم على إمبراطورية كاو سنة 1591(64). دراسة فلكس إروكو Félix ,Iroko تحت عنوان :"السياسة المغربية ببلاد السودان خلال القرنين XVIوXVII.La politique marocaine au Soudan au XVI –XVIIs وتتجلى أهميتها في كونها تعالج موضوع السياسة المغربية ببلاد السودان خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر وهي بذلك تلامس بعض الجوانب البالغة الأهمية من تاريخ المغرب الحديث في علاقته مع إفريقيا جنوب الصحراء، إذ مكننا فحصنا الدقيق لها من الإطلاع على جوانب من التفاعل الحضاري الذي تم بين المغرب وبلاد السودان، كانتقال بعض العادات والأفكار،والمعتقدات السحرية(65) كما تعطينا فكرة واضحة عن سياسة الشرفاء العلويين الصحراوية،وكيف أن جيش العبيد شكل بالنسبة إليهم سلاحا ذو حدين (66)،هذا بالإضافة إلى الإمكانات التي وفرها السودان الغربي للتجارة العابرة للصحراء،من ثروات طبيعية،وأمن ضروري حرص الأمراء السود على توفيره لهذا النشاط...،(67)،وكيف أن البحث عن الذهب شكل رهانا أساسيا للسياسة المغربية ببلاد السودان والعنصر المحرك لها وللتدخلات المغربية بها (68)،كما اكتسى الملح أهمية بالغة في سياسة المغرب السودانية خلال القرن السادس عشر (69)،زيادة على استقبال البلاد لكميات مهمة من الذهب في بداية حملة المنصور(70). III-خطاب تاريخي مغربي/عربي إسلامي : بالنظر إلى أهمية العلاقات التي جمعت بين الطرفين المغربي والسوداني عبر فترات تاريخية طويلة، أولت الجامعة المغربية مع بداية الثمانينات اهتماما متزايدا للدراسات الإفريقية من خلال إدراج موضوع تاريخ إفريقيا السوداء ضمن التكوين بشعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ،ومع نهاية الثمانينات وبالضبط سنة 1986/1987،عرف هذا الحقل المعرفي قفزة نوعية عندما تم اتخاذ قرار من طرف الجهات الرسمية ينص على فتح تخصص للدراسات الإفريقية بشعبة التاريخ –لم يعمر طويلا-بهدف تطوير هذه الدراسات ببلادنا تحت إشراف أستاذين متمرسين،كما شكل إحداث معهد الدراسات الإفريقية سنة 1987 حدثا بالغ الأهمية ،وذلك من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف والمهام من ضمنها القيام بالبحث العلمي والنهوض به ،والعناية بالتراث المغربي- الإفريقي المشترك في مختلف الميادين وجميع مقومات الحضارة الإفريقية ،وقد كللت الجهود التي بذلت على مستوى هاتين المؤسستين بظهور مجموعة من الباحثين المغاربة المهتمين بإفريقيا ،تمكنوا بمجهودات فردية رغم العديد من الإكراهات من مناقشة رسائلهم التي مع الأسف الشديد لايزال معظمها سجين رفوف مكتبة الجامعة لأسباب ذاتية وموضوعية،وبذلك يمكن القول بأن هذا الخطاب التاريخي -على غرار الخطاب الإفريقي -الجنوب صحراوي – "لايزال يافعا"(71)،وأنصاره يشكون من عدم "تخصصهم في تاريخ غرب إفريقيا وإلمامهم بما يطرحه من مشاكل منهجية وموضوعية،مما جعلهم يستهلكون قراءات ونتائج الدراسات الأوربية"(72)،ويصبحون بالتالي سجناء لتلك الطروحات ،رغم النزعة الوطنية التي طبعت أعمال البعض منهم ،والتي حاولوا من خلالها دحض بعض التصورات والأفكار المغلوطة المنطلقة من اعتبارات عنصرية وخلفيات ونوايا استعمارية ، حرصت بعض الدراسات الأفريقانية الأجنبية على ترويجها حول تاريخ المغرب(73). أما فيما يتعلق بالمجالات التي انصب حولها اهتمام هؤلاء الباحثين القدماء منهم والشباب، فيمكن أن نصنفها إلى: صنف انكب على دراسة وترجمة و تحقيق بعض الوثائق التاريخية والمخطوطات،لغناها المعرفي والتراثي وكشفها عن بعض النقاط الغامضة والحساسة في تاريخنا ،وقد تم ذلك إما في إطار اعتمادها كمصادر لأبحاثهم وأطروحاتهم الجامعية ،أو خارج هذا النطاق أي في إطار إنتاجاتهم العلمية بشكل عام،وفي هذا السياق ندرج مجموعة من الأعمال لاسيما منها المتعلقة بالعصر الحديث مثل: * "فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور" لأبي عبد الله الطالب ،الذي حققه محمد إبراهيم الكتاني ومحمد حجي سنة 1981،وهو عبارة عن كتاب تراجم، قيمته العلمية تكمن في كونه "يسد فراغا في المكتبة العربية "(74)،وهو يعالج الحياة الثقافية في غرب إفريقيا خلال القرن الثامن عشر . * و"معراج الصعود إلى نيل حكم مجلب السود" أو "الكشف و البيان لأصناف مجلوب السودان " لأحمد بابا التنبكتي ،الذي حققته وترجمته فاطمة الحراق وكذا جون هانويك سنة 2000،وهو عبارة عن فتوى حاول من خلالها أحمد بابا أن يجيب على مجموعة من الأسئلة التي طرحها عليه سكان توات بخصوص بعض المشاكل التي تهم رقيق السودان (75)،وتكمن قيمته العلمية في كونه يشكل "نصا مؤسسا في الفقه المالكي ومصدرا أساسيا من مصادر تاريخ بلاد السودان في العصر الحديث"،إذ بالإضافة إلى تأكيده على الضوابط الشرعية التي تحكم الاسترقاق عند المالكية في الغرب الإسلامي ،فهو يقدم من خلال هذه الأجوبة "معلومات مفصلة عن بلاد السودان وتاريخ انتشار الإسلام بها (76). *" الطرائف والتلائد من كرامات الشيخين الوالدة والوالد" لمحمد بن المختار الكنتي :الأبواب الأول والرابع والخامس ،تقديم وتحقيق أرفاك شفيق ،سنة 1992،بالرباط ، وهو من أشهر مؤلفات الأدب الصحراوي خلال القرن XIX،ويتطرق لإنتاج وحياة الشيخ المختار الكنتي (1729-1811). أما الصنف الثاني من هذه الأعمال ،فهو الدراسات التحليلية التي يمكن أن نميز فيها بين الأطروحات والرسائل الجامعية وأغلبها لم ينشر بعد،وقد انصب اهتمامها على دراسة بعض الجوانب من تاريخ المغرب في علاقته مع إفريقيا جنوب الصحراء ،ومن بين هذه الأعمال : - دراسة مبارك آيت عدي حول "حملة المنصور الذهبي إلى بلاد السودان 1591م/999ه" ،تطرق فيها لدوافع الحملة ومبرراتها،وكذا الأوضاع الداخلية والدولية التي تمت فيها ،والمراحل التي مرت منها وأخيرا نتائجها وانعكاساتها على كل من المغرب وبلاد السودان (الرباط ،2003). - دراسة الحسين عماري تحت عنوان :"المغرب والتجارة العابرة للصحراء من القرن XVإلى القرن XVIII م"،إسهام في دراسة تاريخ المغرب وعلاقاته التجارية مع السودان الغربي خلال العصر الحديث تناول فيها بالدراسة الدور الفاعل الذي ظلت التجارة العابرة للصحراء تلعبه في حياة البلاد، وتفاعلاتها الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، من خلال مقاربة بنية هذه التجارة عن طريق رصد مكوناتها والعناصر المتفاعلة داخلها ،من محاور،ومراكز تجارية ،وإطار منظم للتجارة،والمواد التجارية لاسيما منها الذهب والملح والعبيد ،مع إبراز علاقة هذا النشاط بالدولة والمجتمع المغربيين ،وحضوره الوازن ضمن علاقة المغرب مع القوى المجاورة (الرباط ،2003). وتجدر الإشارة، إلى أن هناك بعض الباحثين تجاوزوا حدود التاريخ المغربي لدراسة تاريخ بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وثقافاتها، وهذا مكسب وخطوة هامة خطاها البحث التاريخي ببلادنا، وفي هذا السياق نذكر: - دراسة خالد أوشن حول" النشاط الاقتصادي في النيجر الأعلى 1230-1591/628-999ه" - وصالح شكري حول:"السودان الأوسط : مملكة كانم-برنو القرن 11م-16م". -و سعيد حراش حول :"العلاقات الفكرية بين العالم العربي الإسلامي وغرب ووسط إفريقيا جنوب الصحراء خلال القرنين 10-11ه/16-17م من الرحلة إلى الهوية والكتابة "،1993 ،بالرباط. - خالد الشكراوي :"الدين والسلطة في إفريقيا الغربية مساهمة في دراسة بعض البنيات السياسية بالسودان الغربي 628-1000/1230-1591". وقد تناولت هذه الأخيرة بالدراسة بلاد السودان من الناحية الدينية والاجتماعية ،وخاصة الغزوات التي قام بها الأساكي ضد جيرانهم ودورها في ضعف القدرات العسكرية للجيش الأسكي قبل مواجهة المغاربة في معركة تندبي . أما الأعمال المنشورة، فنذكر منها: - "بداية التدخل المغربي في السودان الغربي " لمحمد الغربي ،وهي محاولة غلب عليها الطابع المعرفي والوصفي ،حيث اهتمت بجمع الأخبار حول التواجد المغربي في السودان الغربي إلى القرن التاسع عشر،وقدمت تفاصيل كثيرة حول الإدارة المغربية في السودان الغربي ومختلف التحولات التي أحدثها المغاربة في هذا البلد. ولا ننسى بعض الدراسات المونوغرافية التي عالجت بعض الجوانب من تاريخ المغرب الحديث في علاقته مع إفريقيا جنوب الصحراء، كدراسة العربي مزين حول تافيلالت التي تعكس بوضوح مدى ارتباط تاريخ الجنوب الشرقي المغربي بالتجارة الصحراوية ،وتأثير هذا النشاط على العلاقات بين الرحل والمستقرين(77)،ومدى الأهمية التي ظل الملح يكتسيها بالنسبة للتجارة السودانية (78)، وكيف أن التجارة الصحراوية –في عهد سيدي محمد بن عبد الله –لم يعد بإمكانها الصمود أمام تغلغل الأوربيين في قلب إفريقيا السوداء (79)،مما جعل المغرب يفقد دوره كوسيط تجاري بين أوربا وإفريقيا جنوب الصحراء (80). وهناك دراسات متفرقة على شكل مقالات، تم نشرها في مجلات متخصصة، "كـأمل"، و"المناهل"...، أو ضمن منشورات بعض المؤسسات الجامعية أو الجمعيات التابعة لها، ككتاب "العلاقات بين المغرب وإفريقيا "، الذي نشرته جمعية موظفي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1992، أو نشرات إخبارية مثل "المغرب الإفريقي " ،وكذا أعمال بعض الندوات والمناظرات ،كالمغرب وإفريقيا جنوب الصحراء في بدايات العصر الحديث ،وقائع الندوة الدولية التي نظمها معهد الدراسات الإفريقية (مراكش ،أكتوبر1992) الدار البيضاء ،1995. - وندوة فاس وإفريقيا :العلاقات الاقتصادية و الثقافية والروحية ،أعمال الندوة الدولية التي نظمها معهد الدراسات الإفريقية وكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس –فاس (فاس-أكتوبر1993) الدار البيضاء 1995. وقد تناولت كلها مواضيع في غاية الأهمية، تهم العلاقات بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء وبعض الجوانب من تاريخ المغرب، كالعلاقات الثقافية، والتجارية، والدينية... . أما الإشكاليات التي تطرحها هذه الأعمال، فنوردها على النحو التالي: تعدد الرؤى والتصورات حول بعض القضايا المرتبطة بتاريخ المغرب في علاقته مع إفريقيا جنوب الصحراء ،ومن بينها ،موقف بعض هذه الدراسات من الصورة المبالغ فيها حول الذهب في عهد المنصور وغنى بلاد السودان بهذه المادة ،وجلب المغرب لثروة هائلة منها –كما جاء في بعض المصادر المغربية كمناهل الصفا للفشتالي ونزهة الحادي للوفراني- حيث أبدت شكوكها حول هذه الأطروحة ،وترى أنه لحل هذه الإشكالية والكشف عن معلومات دقيقة تساعد على رسم الصورة الحقيقية للذهب المستورد من بلاد السودان ،لابد من الاعتماد على مصادر أخرى، والقيام بدراسة علمية للنقود في العهد السعدي وإخضاعها لتحاليل مخبريه (81)،وتستشهد هذه الدراسات ببعض المصادر مثل "الأصناف المنفضة عن أحكام صناعة الدينار والفضة"للجز نائي ،الذي يعترف بمعلومات من شأنها أن تشكك في الصورة المبالغ فيها حول الذهب في عهد المنصور،حيث يرى أن" الذهب الرذيء"أو ذهب الحلي شكل بدل التبر المستورد من بلاد السودان إحدى المصادر الأساسية لسك النقود في دار السكة بمراكش (82). وهناك كذلك بعض المغالطات ،إذ لا نكاد نصدق ما أورده أحد الباحثين الذي أشار إلى أن بعض مواطن الذهب السوداني وهي بمبوك وبوري امتد إليها نفوذ الإدارة المغربية (83)،مع العلم أن المنصور فشل في تحقيق الحلم الذي طالما راوده وهو الاستيلاء على مناجم الذهب ،مما جعله يهتم بتأمين وصول ملح تغازة إلى كل من تنبكت وجني للتزود بالذهب (84). خلاصـــــــــــة: من خلال كل هذا ،يتضح أن تاريخ المغرب حظي باهتمام الباحثين المتخصصين في الدراسات الإفريقية المغاربة منهم والأجانب،مما سمح بوجود تراكم معرفي غني ومتنوع تتجاذبه ثلاث خطابات،الأول أوربي ، والثاني إفريقي –جنوب صحراوي، والثالث مغربي/عربي إسلامي،وقد تميز كل خطاب من هذه الخطابات بخصوصيات معينة ،كما أن كل واحد منها عالج جوانب محددة من تاريخ المغرب الحديث في علاقته مع إفريقيا جنوب الصحراء ،وإن كانت هناك قواسم مشتركة بين الخطابات الثلاثة ،وكل خطاب كذلك يطرح إشكاليات على المستويين المعرفي والمنهجي ينبغي التعامل معها بنوع من الحذر والحيطة ،أما الآفاق المحتملة لحضور تاريخ المغرب في الدراسات الإفريقية ،فإن الأمل معقود على الباحثين المغاربة المتخصصين في هذا الحقل المعرفي وغيرهم، لتحقيق قفزة نوعية وحضور فاعل ومتميز من خلال العمل على نشر إنتاجاتهم ،وتطوير أدواتهم المنهجية وقدراتهم المعرفية ،عن طريق القيام بمبادرات تهدف إلى تقوية التبادل والصلات بينهم وبين باقي الباحثين في نفس التخصص ،بتنظيم لقاءات وطنية دورية لمناقشة قضايا ومواضيع تهم هذا الحقل المعرفي كما هو معمول به في دول أخـرى كما ينبغي عليهم، وضع حد لشبه القطيعة الموجودة بينهم وبين الباحثين العرب، والأفارقة، والأوربيين وغيرهم، عن طريق خلق جسور الحوار المشترك، والتنسيق بين مراكز البحث، العربية، والإفريقية-الجنوب صحراوية، والأوربية...،ومثيلاتها المغربية خصوصا وأن الثورة التكنولوجية أصبحت تشكل عاملا مساعدا ،وأخيرا لابد من إيجاد دليل بيبليوغرافي أونشرة منتظمة حول الإصدارات التاريخية التي تهم تاريخ المغرب بصفة عامة والدراسات الإفريقية بشكل خاص . |
![]() | ![]() |
![]() | #2 |
مراقب عام على المنتديات | ![]() |
![]() | ![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
| |
![]() | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
دراسات تاريخية : أديان ما قبل التاريخ ـ جمعة مقطب | sympat05 | الأدب والشعر العربى | 1 | 03-28-2014 02:02 AM |
دراسات تاريخية : العلاقات التجارية بين المغرب والسودان الغربي في بداية العصر الحديث - | sympat05 | الأدب والشعر العربى | 1 | 03-28-2014 02:02 AM |
دراسات تاريخية : حدود إسهام الدراسات الإفريقية في كتابة تاريخ المغرب الحديث 1 | sympat05 | الأدب والشعر العربى | 1 | 03-28-2014 02:02 AM |
دراسات تاريخية : التصوف الإسلامي بين التأثر والتأثير ـــ د.محمد عباسة | sympat05 | الأدب والشعر العربى | 1 | 03-28-2014 01:59 AM |
دراسات فى الحديث والمحدثين | abood | الأدعية و الكتب والاسطوانات والتفاسير الاسلامية | 2 | 09-02-2013 12:30 PM |